منتديات اشبال التوحيد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

التصنيف بين تشدد السلف وتساهل الخلف

اذهب الى الأسفل

التصنيف بين تشدد السلف وتساهل الخلف Empty التصنيف بين تشدد السلف وتساهل الخلف

مُساهمة  Admin الأربعاء مارس 12, 2014 2:58 pm

التصنيف بين تشدد السلف وتساهل الخلف

بقلم
زيدان الشريف الدريسي
فك الله اسره
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى
كان الإمام أحمد رحمه الله يكره وضع الكتب وينهى عن ذلك وقد ذكر رحمه الله سبب ذلك لما قال (أكرهها هذا أبو فلان وضع كتابا فجاء أبو فلان فوضع كتابا وجاء فلان فوضع كتابا فهذا لا انقضاء له. كلما جاء رجل وضع كتابا وهذه الكتب وضعها بدعة كلما جاء رجل وضع كتابا وترك حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه ليس إلا الإتباع والسنن وحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه)
فكان رحمه الله يعيب وضع الكتب ويكره ذلك كراهة شديدة
وكان يقول أيضا (لا يعجبني شيء من وضع الكتب من وضع شيئا من الكتب فهو مبتدع)
وقد جعل رحمه الله كثرة الزلل نتيجة لكثرة التصنيف فقال لما ذاكره الميموني خطأ الناس في العلم (وأي الناس لا يخطئ ولا سيما من وضع الكتب فهو أكثر خطأ).
وقال أيضا لما سئل عن رجل وضع كتابا (هل أحد من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام فعل ذلك أو أحد من التابعين)
وشدد رحمه الله في الأمر فقال (انهوا الناس عنه وعليكم بالحديث)
وكان  يقول رحمه الله (ما كتبت من هذه الكتب الموضوعة شيئا قط) ولما احتج عليه بعضهم بما صنف ابن المبارك وكان الإمام أحمد نهى المحتج عن تصنيف كتب الرأي وأوصاه باتباع الآثار
قال (ابن المبارك لم ينزل من السماء إنما أمرنا أن نأخذ العلم من فوق)
فإن قيل إنما نهى الإمام أحمد رحمه الله عن وضع كتب الرأي وما فيها من جدال ورد. ولم يثبت عنه أنه نهى عن وضع كتب الحديث والأثر.
قيل إن ذلك غير مسلم به فهذا المروذي ينقل عنه
قوله (يضعون البدع في كتبهم إنما أحذر عنه أشد التحذير)
فلما ذكر له احتجاجهم بما وضع إمامنا مالك
قال رحمه الله (هذا عون والتيمي ويونس وأيوب هل وضعوا كتابا هل كان في الدنيا مثل هؤلاء وكان ابن سيرين وأصحابه لا يكتبون الحديث فكيف الرأي).
فدل قوله الأول أن النهي موجه لمن صنف كتبا حوت بدعا وأن الثاني موجه لمن صنف غير ذلك حتى ولو كان الحديث.
والناظر في موقف الإمام أحمد بعين بصيرة يدرك سعة فقه هذا الإمام وشدة فطنته ومعرفته بالمصلحة وهذا لن يدركه المتهور المتسرع في الإنكار على الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
فهذا العلامة ابن القيم يذكر لنا سبب ما ذهب إليه الإمام أحمد قائلا
(وإنما كره أحمد ذلك ومنع منه لما فيه من الإشتغال به والإعراض عن القرآن والسنة والذب عنهما)
وهذا يدل على صدق نيته وعلو كعبه وسعة علمه فكل ما يشغل عن الكتاب والسنة ويبعد العبد عن نصرة الحق فهو ممنوع فلما كان وضع الكتب ظاهرا عند الإمام أحمد في إهمال ذلك نهى عن وضعها بل أرى موقفه هذا تطبيقا بينا للأصل الموسوم بسد الذريعة ذلك أنه رأى أن تأليف الكتب ذريعة لإهمال الإشتغال بالكتاب والسنة والذب عنهما. وأين موقف الإمام أحمد في مثل زماننا وقد اتسعت رقعة كتب أهل البدع والضلال وأضحى التوحيد يحارب بها بل أصبح العالم عند الطغام هو المكثر من وضعها والجاهل هو المقلل من ذلك فإلى الله المشتكى. كيف انقلب الميزان في عرف أهل الزمان ولو كان للمسلمين قوة ومنعة لكان لهم مع هذه الكتب المضلة شأن وأي شأن فتحريقها قربة إلى الله وإتلافها من أوجب الواجبات لما فيها من جدال ومراء بل وتضييع وقت والسفيه من اغتر بها وانجر إلى تسويد الصفحات برأيه ومنطقه وهذه آفة فشت وانتشرت قلما يسلم منها العباد إلا من رحم ربي من المخلصين أتباع مدرسة الحديث والأثر ممن نبذوا مسالك أهل الرأي ومذهبهم.
قال العلامة ابن القيم (والمقصود أن هذه الكتب المشتملة على الكذب والبدعة يجب إتلافها وإعدامها وهي أولى بذلك من إتلاف آلات اللهو والمعازف وإتلاف آنية الخمر فإن ضررها أعظم من ضرر هذه ولا ضمان في كسر أواني الخمر وشق زقاقها)
فنوصي إخواننا الموحدين بهذه الوصية العظيمة النادرة ونحرضهم على إتلاف الكتب التي اشتملت على البدعة والضلالة إن قدروا على ذلك فأنت ترى رؤوس أهل الشرك قد صنفوا في حرب التوحيد وسعوا لإخماد جذوة العقيدة من قلوب الشباب الصادق.
هذا واعلم أن موقف الإمام أحمد قد كان له ما يوجبه وإلا فمسألة وضع الكتب قد فصلت وما أحسن ما ذكر العلامة ابن القيم قائلا
(وأما كتب إبطلان الرأي والمذاهب المخالفة لهما  (أي الكتاب والسنة) فلا بأس بها وقد تكون واجبة ومستحبة ومباحة بحسب اقتضاء الحال).
راجع كتاب (الطرق الحكمية في السياسة الشرعية) فصل (عدم ضمان تحريق الكتب المضلة وإتلافها) ص.254
فإن كان التصنيف بضوابطه الدقيقة ودون توسع فيه خصوصا لمن قلت بضاعته فحكمه حكم ما يقتضيه الحال. وغايته نصرة الحق والسنة لا إظهار المواهب أو التعالي به على الآخرين ولذا لا نفتي لكل أحد بوضع الكتب بل لا نجيز ذلك إلا لمن توفرت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع ومعرفة ذلك يستوجب بحثا مفردا وهذا يدرس عند الحديث عن أدب طلب العلم وكيفيته. والإقلال من التصنيف علامة الورع فكم من مالك أدواته ومع ذلك يزهد فيه ورعا وتواضعا وهو شامة في العلم وعلامة في التحقيق فقليله لا يقال له قليل على قول الشاعر
قليل منك يكفيني ولكن** قليلك لا يقال له قليل

فإن قيل هذا مسند أحمد بين أيدينا فكيف التوفيق بين نهيه عن التصنيف ونسبة هذا المصنف إليه
قلت ما قاله الذهبي  يوضح هذه المسألة قائلا
(ثم الإمام أحمد كان لا يرى التصنيف وهذا كتاب *المسند* له لم يصنفه هو ولا رتبه ولا اعتنى بتهذيبه بل كان يرويه ولده نسخا وأجزاء ويأمره أن ضع هذا في مسند فلان وهذا في مسند فلان) سير أعلام النبلاء ج13 ص522
وغاية ما أردته وراء هذه الأسطر أن أوضح عدم تساهل الأئمة في باب التصنيف بخلاف المعاصرين فإني لا أعرف تساهلا أضحى كتساهلهم حتى إنك تجد الرجل ما طالع شيئا ولا له أهلية للخوض في هذا الفن قد أظهر نفسه وأصبح مصنفا بين عشية وضحاها أو تجده طالع كثيرا وفهم قليلا فاعوج عوده لأنه أخذ العلم من الكتب ابتداء على قول الشاعر
يظن الغمر أن الكتب تهدي** أخا فهم لإدراك العلوم
وما يدري الجهول بأن فيها** غوامض حيرت عقل الفهيم
إذا رمت العلوم بغير شيخ ** ضللت عن الصراط المستقيم
وتلتبس الأمور عليك حتى** تكون أضل من توما الحكيم

فمن لم يستقم بعد فلا يتربعن على كرسي التصنيف وليرحم نفسه فإن بلوغ الثريا دونه شوك القتاد على قول الشاعر
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى** فما انقادت الآمال إلا لصابر
وأخيرا أوجه كلمتي لطلبة العلم الموحدين وللدعاة الأفاضل أن يسعوا لبلوغ هذه المرتبة العظيمة دون إكثار من التدوين مع المراجعة التامة إن حصل قبل النشر أو العرض وليكن الحرص على التزود من العمل الصالح وتبيلغ الدعوة أولى من غيره ونوصي الشباب أن يلتفوا حول الثقات ويستفيدوا من خبراتهم وألا يتسرعوا في التحبير قبل التأهل والنصح موصول للجميع أن يراعوا ضوابط التصنيف ويطالعوا شروطه وموانعه قبل الخوض في هذا البحر الخضم فرحم الله عبدا عرف قدر نفسه ووزنها بميزان الشرع.
والله أعلى وأعلم
كتبه
الفقير لعفو ربه
زيدان الشريف الدريسي
فك الله اسره
Admin
Admin
Admin

عدد المساهمات : 71
تاريخ التسجيل : 19/02/2012

https://achbal-tawhed.rigala.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى